ابن مهاجر لنجار فلسطيني لم ينل حظه من التعليم، إلا أن روح المغامرة والاختلاف قادته إلى تأسيس مصنع حافلات في أربعينيات القرن الماضي، حيث كانت تصنع من الخشب حينها، إلا أن نكبة 1948 دفعته للهجرة القسرية إلى الأردن.
يروي ميشيل الصايغ، رحلة تأسيس واحدة من أكبر المجموعات العائلية في الوطن العربي، والتي تقع تحت مظلتها شركة دهانات "ناشيونال" ضمن أكبر 25 شركة دهانات حول العالم من حيث الإيرادات.
قال الصايغ إن انتقال والده إلى الأردن، دفعه إلى التحول من صناعة الحافلات إلى تجارة الدهانات والتي ترتبط بطبيعتها مع الأخشاب والنجارة لتأمين الدخل لجيش من العاملين -60 موظفاً حينها.
تم فصل "مجموعة الصايغ" و"ناشيونال القابضة" مع وفاة الشريك المؤسس للشركة وشقيق ميشيل الصايغ (سليم)، إلا أن المجموعة تمتلك حصصاً في شركة الدهانات وأنشطة متعددة أخرى تتنوع بين العقارات والتعليم والأنشطة المصرفية، وغيرها.
بدا الصايغ متواضعاً وصريحاً للغاية، حيث يرى أن بعض القرارات التي اتخذها وأثبتت نجاحها مع الوقت دُفع إليها، أو كان مضطراً لاتخاذها، وكان أبرزها تأسيس الشركة "الوطنية للدهانات" في نهاية عام 1969، بعد خلاف مع الشركة التي كان لديه وكالتها، ما دفعه للاتجاه نحو التصنيع بمشاركة خاله وأخيه، لتصبح فيما بعد الشركة رقم 23 عالمياً في قطاع الدهانات، وتنتشر أعمالها في 18 دولة في 3 قارات.
قال الصايغ، إن بداية الشركة شهدت تحديا في توفر الخبرات والكفاءات ما اضطره لشراء المعرفة من شركات في الدانمارك، والسويد، والولايات المتحدة الأميركية.
وعد تحقق بعد نصف قرن
الشركة التي أوقفت تعاملها مع وكالة الصايغ التجارية في الستينات، ودفعت إلى تأسيس الشركة أخبر ميشيل رئيسها بأنه سيشتري شركته يوماً من الأيام، كان عمره حينها 22 عاماً فقط، إلا أنه حقق وعده بالاستحواذ عليها بعد مرور 50 سنة. ورفض الكشف عن اسمها، إلا أنه قال لبرنامج "الدرجة الأولى" إنها كانت شركة محلية في الأردن.
لم يبد الصايغ رغم هذا علامات بنشوة الانتصار، وحتى إنه اعتبر أن جزءاً كبيراً من نجاحه كان مرتبطاً بظروف أحسن استغلالها ومع الوقت أثبتت نجاحها. وقال إن قرار الدخول في القطاع العقاري ارتبط ببعض زبائن الشركة من الخليج من شركات ومطوري العقارات في السبعينات، حيث كانت المنطقة في مرحلة البناء وأغراه الزبائن بالاستثمار العقاري.
وقال إنه لا تزال هناك مناطق في أسواق السعودية والإمارات الاستثمار العقاري بها مغر، إلا أن الجيل الثالث والذي يتولى إدارة مجموعة شركات الصايغ قرر التركيز على بعض الأنشطة الرئيسية والتخلص من الأنشطة الأخرى، إذ وصل عدد الشركات التي تديرها المجموعة إلى نحو 35 شركة في قطاعات متنوعة.
وأوضح الصايغ أن الشركة ركزت أنشطتها على مجموعة أضيق حالياً هي، الدهانات، والعقارات، والتعليم، والبنوك، واللوجيستيات، والتعبئة والتغليف بسبب تكاملها مع أعمال المجموعة الصناعية.
وقال الصايغ إن إدارة مجموعة متنوعة الأنشطة تطلب بالضرورة وجود شركات استشارات تبني الهياكل الإدارية وتحدد الأدوار والخبرات المطلوبة لكل وظيفة، وهو ما ساعد الشركة على النمو، مع تركيز الإدارة على الرؤية الكلية واقتناص الفرص.
وبالعودة من جديد للتوفيق في اختيار الفرص، قال الصايغ إن أزمة العملة الأردنية في نهاية عام 1989 والتي خفضت سعر الدينار من 3 دولارات إلى دولار واحد، دفعت بعدد كبير من الشركات إلى الإفلاس وبالنسبة لمجموعة الصايغ، كانت فرصة للاستحواذ على 8 شركات بدت ناجحة وتحققت تلك الرؤيا.
اللافت في الحوار، أن كل التحديات التي بدت مقلقة للمستثمرين على المستوى الجيوسياسي، كان يراها الصايغ فرصة استثمارية للتوسع. وقال "الركود الاقتصادي والأسواق الساخنة هي سمات لتوقيت استثمار مثالي، يجب اقتناصه".
لكن ليست الحياة دائماً تسير في اتجاه واحد، فقد تعرضت استثماراته للفشل في بعض الأوقات، وقام بتصفية العديد من الشركات التي تم تأسيسها في التسعينات.
وقال الصايغ، إن نسبة النجاح إلى الفشل مؤشر مهم للمجموع النهائي، وكلما تعددت المحاولات كثر عدد حالات الفشل وكذلك حالات النجاح.
وأضاف: "الفشل ليس فقط الإفلاس، ولكن عدم استمرارية المشروع حتى وإن كان لا يزال مربحا". "بعض الأنشطة قد تكون مهلكة للوقت والجهد، ونتخلص منها لأن العائد لا يضاهي الجهد والوقت، وبالتالي يكون القرار بالتخارج".
وأوضح الصايغ، أن تحييد التأثيرات الكبيرة للفشل، جاء عبر عدم الاعتماد على الديون بصورة تصعّب قرار الاستمرار من عدمه وتدفع بتضحيات كبيرة، مشيراً إلى أن سياسة الشركة بالإبقاء على سقف ديون منخفض عزز من قدرتها على التحرك بمرونة مع الأزمات والإخفاقات.
كما اعتبر الصايغ أن "الجمود فشل" في ذاته، وقال إنه كلما تغيرت الأوضاع كان لزاماً علينا التغير معها بسرعة. "لا يجب الانتظار حتى الإفلاس والبيع بالمزاد".
ولتحديد الوقت المناسب للتخارج من نشاط حدد الصايغ شرطاً واحدا "عدم القدرة على تطويره"، وبالتالي إما البحث عن مشتر لديه القدرة على القيام بالتطوير اللازم أو تصفية النشاط بشكل اختياري.
وأكد أن الخسائر ليست المعيار في التخارج. وقال "يمكننا تحمل الخسائر، لكن لا يمكننا تحمل تكلفة الوقت وحيز التفكير المرهق للعقل من بعض الأنشطة، وبالتالي فإن التخارج قراراً أفضل".
مبادئ بسيطة لضمان الاستمرارية
رغم النجاحات التي حققها في حياته، وحتى تكريمه من شركة "إرنست آند يونغ" كأفضل شركة عائلية في الأردن لعام 2014، إلا أنه لم يفتخر بنفسه أو ذكائه، وقال "لم أكن متفوقاً في دراستي، والنوابغ حول العالم أعدادهم بسيطة". وأضاف "الالتزام بالمبادئ والأخلاق مثل الصدق والأمانة والشفافية والإصرار حتى في أشد البيئات تنافسية، هي سلاح متوسطي الذكاء للنجاح وضمانة للشركات العائلية للبقاء مع ضرورة التنظيم".
كثيراً من الشركات العائلية تفشل في الجيل الثالث، وقال الصايغ إن 85% منها لا تستطيع الاستمرار، وحتى الشركات التي تستمر بعد ذلك هي فرع من العائلة وليست الكيان الأم الذي أسسه الجيل الأول.
بواسطة MSHA News
المصدر: العربية.نت